3 خيارات أمام نتنياهو بعدما ألقت “حماس” الكرة في ملعبه

لم ترد إسرائيل بعد على موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مقترح الوسطاء ومن خلاله نقلت الكرة إلى ملعبها، لكنها، في التزامن، تُواصل استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط، والتهديد والوعيد، فيما يستمر رئيس حكومتها، ومقرّبوه، المناورة وإطلاق مواقف متباينة.
وتعبّر المعلّقة السياسية البارزة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيما كادمون عن حالة الضبابية التي يبثها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو في الأيام الأخيرة، فتتساءل: “من نصدّق، بنيامين أم نتنياهو… نثق بيده المفاوضة أم يده المحتلة؟” وتجيب بنفسها بالقول: “في واقع طبيعي كان رئيس الوزراء يعلن نواياه، وفي واقع اعتيادي كنا نصدقه، ولكن في واقعنا الراهن لا يمكن أن تصدق أو تثق بشيء”.
مايكل أورن: في نهاية المطاف، لا توجد طريق خالية من المخاطر لإنهاء الحرب. كل مسار مليء بالعقبات.. الأهم الآن هو تبنّي سياسة واضحة، شجاعة ومتسقة
ويستبعد المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” حاييم ليفنسون أن يذهب نتنياهو إلى صفقة شاملة أو جزئية، مؤكداً أنه كالعادة يريدها حرباً أبدية تحمي حكومته حتى الانتخابات في موعدها المقرّر في العام القادم. لافتاً إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب لا يفهم أن دعمه لنتنياهو، كقوله إنه “رجل طيب وبطل”، لا يؤدي إلى نهاية الحرب، بل يبعدها. ويضيف ليفنسون: “نتنياهو لا يدفع أي ثمن سياسي على استمرار الحرب، بل على وقفها”.
كيف يرد نتنياهو، ما حقيقة موقفه الآن؟
قبيل اجتماع الكابنيت أو الاجتماع الأمني المصغّر، غداً الخميس، ما زال نتنياهو يناور، بعدما سبق أن زعم أن “حماس” في حالة ضغط شديد (نووي)، فيما يصدر عن بيئته السياسية تسريبات تقول إنه معنيّ بصفقة شاملة، بعدما كان، طيلة شهور كثيرة، يقول إنه يريد صفقة جزئية، بعكس “حماس” التي طالبت في الفترة الأخيرة بصفقة دفعة واحدة تنهي الحرب، مشددين على أنه مصمّم على تنفيذ اجتياح مدينة غزة.
مقابل من يشكك ويحذر من أن نتنياهو يتهرب من صفقة، يرى بعض المراقبين الإسرائيليين أنه يقف أمام عدة خيارات، منها القول “نعم للصفقة” المطروحة من قبل الوسطاء، وهي نص معدل لمقترح يقوم أصلاً على مقترحات إسرائيلية. لكنهم لا يستبعدون أن يكون رد نتنياهو “نعم، ولكن”، والقيام بإرسال بعثة تفاوض إلى الدوحة، التي سبق ومكثت فيها 19 يوماً في المرة السابقة دون جدوى.
وهناك خيار ثالث بأن يبدأ المفاوضات، وبالتزامن بدء الاجتياح التدريجي لمدينة غزة، أو قصفها عن بُعد تحاشياً لخسائر في صفوف الجيش المحتل، وذلك في محاولة لابتزاز المزيد من التنازلات، ولكي يحسن صورته وهيبته هو وحكومته، ومحاولة نسج صورة أن “حماس” مرتدعة ورضيت بالصفقة بسبب حملة عسكرية وضغط إسرائيلي، ضمن المعركة على الوعي وعلى الرواية، وهي معركة لا تقل أهمية بالنسبة له عن المعركة الميدانية.
البيت الأبيض
ربما تنعكس هذه الأطماع في ما قالته الناطقة بلسان البيت الأبيض الليلة الفائتة إنه: “ليس صدفة أن “حماس” وافقت الآن على الصفقة، بل بسبب تهديدات ترامب وقوله إن استعادة المختطفين لن تتحقق دون تدمير حماس”.
بيد أن الواضح أن نتنياهو يقف أمام خيارات صعبة، فرفض الصفقة بعد موافقة “حماس” عليها من شأنه أن يزيد طين إسرائيل بلة في العالم، لا سيما أنها تتعرض لانتقادات غير مسبوقة من قبل دول غربية صديقة، مثل أستراليا وفرنسا، وهي تجد نفسها الآن تتراشق معها علانية على خلفية حرب الإبادة في غزة.
وهذا ما دفع صحيفة “هآرتس” للقول، في افتتاحيتها، متسائلة بسخرية، اليوم الأربعاء: هل يعقل أن العالم مخطئ وإسرائيل محقة؟
كذلك؛ من شأن رفض الصفقة أن يشعل الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي بعدما تفجرت بقوة أكبر، قبل أيام، وهذا ما يأخذه نتنياهو بالحسبان، تحسّباً لحالة غليان تهدد شعبيته وتهز أركان ائتلافه المهتز أصلاً. إذ ما الذي سيزعمه الآن لتسويغ رفض صفقة وافق عليها، بل هو اقترحها من قبل؟! ولذا ربما تبدو المواقف المتشددة والتسريبات عن تصميمه على اجتياح مدينة غزة محاولة لامتصاص سموتريتش وبن غفير ووزراء آخرين يرفضون فكرة الصفقة، ويهددون من جديد بالانسحاب من الائتلاف الحاكم.
النزول عن الشجرة
في سياق متصل، يقترح السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، المؤرخ مايكل أورن، الهروب إلى الأمام، فيقول، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن هناك طريقاً أخرى ممكنة للنزول بواسطتها عن الشجرة، وهي تكرار صفقة 2020، عندما حصلت إسرائيل على السلام مع الإمارات العربية المتحدة، في مقابل موافقتها على عدم ضم أجزاء من الضفة الغربية.
الناطقة باسم البيت الأبيض: ليس صدفة أن “حماس” وافقت الآن على الصفقة، ذلك بسبب تهديدات ترامب بأن استعادة المختطفين لن تتحقق دون تدمير “حماس”
ويضيف: “الآن، في مقابل عدم غزو غزة، يمكن لإسرائيل أن تحصل على سلام مع المملكة العربية السعودية. وفي الوقت عينه، يمكن للولايات المتحدة الضغط على قطر لكي تضغط بدورها على “حماس” لإطلاق سراح الأسرى وتسليم سلاحها. إلا أن المشكلة هنا هي الثمن الذي يطلبه السعوديون: استعداد إسرائيلي لاتخاذ خطوات جوهرية نحو إقامة دولة فلسطينية؛ في الحقيقة، لا أحد مستعد لدفع هذا الثمن، لا أعضاء الحكومة الحالية، ولا معظم المواطنين في إسرائيل”.
كما يقول أورن إنه يبقى هنالك حلّ أخير، ومن المؤكد أنه من خارج الصندوق: بدلاً من النزول عن الشجرة، يمكن للحكومة أن تواصل تسلقها أعلى فأعلى. تعتقد “حماس” أن تسونامي الإدانات الدولية ضد إسرائيل وعزلتها العميقة في العالم سيجبرانها على الاستسلام في النهاية. لكن ماذا لو لم تستسلم إسرائيل، بل واصلت خطتها بشأن الاجتياح بوتيرة أكبر، لتُظهر لـ”حماس” أنه لا يمكن لأي تدخل دولي إنقاذها. قد تقبل “حماس” اتفاق وقف إطلاق النار في مقابل إطلاق سراح الأسرى، عندما تكون في مواجهة احتمال دمار حقيقي وواسع النطاق.
ويخلص إلى القول: “في نهاية المطاف، لا توجد طريق خالية من المخاطر لإنهاء الحرب. كل مسار مليء بالعقبات والهاويات. وحتى لو تحقق “النصر الكامل”، فسيكلف إسرائيل حياة العديد من الجنود، وثمناً غالياً مما تبقى من مكانتها في العالم. لذلك، فإن الأهم الآن هو تبني سياسة واضحة، شجاعة ومتسقة. لا يجوز الاستمرار في خطوات جزئية وغير حاسمة. على حكومة إسرائيل أن تقرر الآن ما إذا كانت تريد النزول عن الشجرة، أم الاستمرار في تسلقها، وأن تفعل ذلك حتى النهاية”.
القدس العربي