روسيا وأوروبا لا تمتلكان القدرة أو الرغبة في فتح جبهة جديدة / أسباب انتشار قوات الناتو في بولندا

تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا يُظهر عمق الأزمة التي تجاوزت المحاولات السياسية، مع دخول حلف الناتو وحوادث اختراق الأجواء في بولندا على الخط، وسط تباين واضح في مواقف واشنطن وأوروبا تجاه الأزمة. في ظل استعراض القوة من كلا الجانبين، يبدو أن المنطقة على حافة تصعيد جديد، لكن مع عدم رغبة واضحة في فتح جبهات جديدة.
قال مرتضى مكي، متخصص في شؤون أوروبا، في حديث خاص لـ"إيلنا" إن أزمة أوكرانيا منذ بدايتها في فبراير 2022 تحولت إلى ساحة نزاع بين التيارات المؤيدة للغرب وتلك المؤيدة لروسيا داخل أوكرانيا. السبب الجذري لهذه الأزمة هو التنافس بين هذين المعسكرين، حيث كل منهما مدعوم من قوى خارجية توجهه نحو محوره الخاص. وبعد التحركات السياسية الأخيرة في الشهر الماضي التي هدفت إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، ومبادرات من قبل الناتو وبعض القادة العالميين، عقدت لقاءات بين ترامب وبوتين في ألاسكا، ثم التقى قادة عدد من الدول الأوروبية مع ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض، والتي كانت محاولة أخرى لإيجاد تسوية بين أوكرانيا وروسيا.
وأضاف: "مع ذلك، فإن الأزمة في أوكرانيا أعمق وأكثر تعقيدًا من أن تحل بمبادرات سياسية بسيطة مثل تلك التي طرحها ترامب. فقد أظهرت وعوده بحل سريع أن القضية أكثر تعقيدًا مما كان يتصور. هذه التحركات السياسية وصلت إلى طريق مسدود، وفي الوقت نفسه، كثفت روسيا وجيشها هجماتها الميدانية، حيث شنت هجمات واسعة النطاق في عمق الأراضي الأوكرانية، ورد الجيش الأوكراني بتوجيه ضربات لأهداف مهمة داخل الأراضي الروسية".
وتابع: "من نتائج هذه الأوضاع دخول طائرات مسيرة روسية إلى أجواء بولندا ورومانيا، وهو أمر لم يتضح بعد ما إذا كان متعمدًا أم لا، لكنه يظهر أن كل طرف يحاول توسيع نطاق المواجهة وعرض إرادته وقدرته على تحقيق أهدافه. وتشير التقارير إلى أن ما بين 19 إلى 20 طائرة مسيرة روسية اخترقت الأجواء البولندية، وتم إسقاط بعضها. ردًا على ذلك، قامت بولندا بسرعة بتفعيل أنظمة الدفاع الجوي وطرحت مسألة انتهاك الأجواء تحت المادة 5 من حلف الناتو، التي تلزم الأعضاء برد فعل جماعي إذا تعرض أحدهم للخطر. وبهذا السياق، تم تكليف ألمانيا وإيطاليا وفرنسا باتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة للتعامل مع التهديدات المحتملة من روسيا في المنطقة. أما الولايات المتحدة، فتبنت سياسة حذرة ومحافظة".
وأضاف الخبير السياسي: "وصف المسؤولون الأمريكيون هذا الحادث بأنه 'على الأرجح عرضي'، وفضلوا عدم تصعيد الأمر إلى أزمة مباشرة بين الناتو وروسيا. حتى أن ترامب نصح الأوروبيين بوقف شراء النفط من روسيا بدلاً من التركيز على الرد العسكري، مما يدل على أن الولايات المتحدة تفضل استخدام الأدوات الاقتصادية والتجارية للضغط على روسيا بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة. تجدر الإشارة إلى أن شعار ترامب الأساسي كان إنهاء الحرب في أوكرانيا وتقليل التكاليف العسكرية الأمريكية، لكن هذا الشعار لم يتحقق عمليًا ولم يتمكن من حل الأزمة. كما أنه لم يرغب في تحويل انتهاك المجال الجوي البولندي إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، بينما اتخذ الأوروبيون موقفًا مختلفًا، إذ يصرون على تعزيز الإجراءات الدفاعية والعسكرية ضد روسيا، رغم عدم رغبتهم في توسيع النزاع خارج حدود أوكرانيا".
وأضاف: "أوروبا الآن منخرطة بشكل عميق في حرب أوكرانيا ولا ترغب في فتح جبهة جديدة ضد روسيا، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها تجاهل انتهاك الأجواء البولندية، ولهذا السبب كانت المناورات الأخيرة للناتو في المنطقة ردًا على تحركات روسيا، وليست محاولة لبدء جبهة جديدة. من جانبها، تجري روسيا مناورات مشتركة مع بيلاروسيا خلال الأسبوع الحالي وتنشر صواريخ إس-كندر في كالينينغراد، في محاولة لعرض قوتها على الساحة الميدانية بالتزامن مع الضغوط السياسية للناتو. رغم ذلك، لا تمتلك روسيا ولا أوروبا رغبة أو قدرة على فتح جبهة جديدة؛ فروسيا تمر بوضع اقتصادي وعسكري استنزافي، وأوروبا تعاني بعد ثلاث سنوات من الحرب من مشاكل مالية وسياسية داخلية وانقسامات عميقة في سياستها الخارجية. لذا، فإن هذه التحركات أكثر تعبيرًا عن استعراض للقوة وقياس إرادة الطرف الآخر بدلًا من الاستعداد لخوض حرب جديدة.
وفي الختام، أشار مكي إلى أن الموقف الحالي يعكس تصاعد التوترات وخلافات بين واشنطن وأوروبا حول مدى الالتزام بدعم أوكرانيا عسكريًا، مع احتمال استمرار هذا التوتر ضمن إطار توازن القوى دون تصعيد مباشر لحرب جديدة.