خطة مصرية غامضة لأمن غزة: بين الحاجة إلى الاستقرار وهواجس إسرائيل

أثارت الخطة الأمنية التي أعلنتها القاهرة لتدريب آلاف الفلسطينيين بهدف حفظ الأمن في غزّة بعد الحرب جدلاً واسعاً، إذ يرى مراقبون أنّ المشروع ينطوي على تساؤلات كثيرة تتعلّق بآليّة اختيار المتدرّبين وهويّاتهم الفكرية، في وقتٍ تحاول فيه مصر أن تحافظ على صورتها كمدافع عن القضية الفلسطينية، فيما تراقب إسرائيل الموقف بحذر خشيةَ استفزاز الرأي العام المصري والأردني.
كتب المحلل في الشؤون الدولية، جعفر قنادباشي، في مقالة نشرتها وكالة إيلنا توضيحًا لأبعاد الخطة الأمنية المصرية بشأن غزة، وجاء فيها ما يلي:
تشعر إسرائيل في الظروف الراهنة بالقلق إزاء مستقبل أوضاع غزّة، والسبب الرئيس في ذلك هو أنّ الجيش الصهيوني لم يعد قادراً على البقاء ومواصلة الحرب في هذه المنطقة. وفي هذا السياق، أعلنت مصر أنّها ستدرّب نحو خمسة آلاف فلسطيني في دوراتٍ تتركّز على حفظ الأمن في غزّة بعد انتهاء الحرب الحالية، وهو ما أثار الكثير من الغموض والتساؤلات. فكيف جرى اختيار هذا العدد من العناصر؟ ومن أيّ منفذ دخلوا إلى الأراضي المصرية؟ إنّها مجرّد بعضٍ من الأسئلة التي ما زالت بلا إجابة في ما يتعلّق بالخطة الأمنية التي طرحتها القاهرة بشأن غزّة. بعبارةٍ أخرى، المسألة الجوهرية هي: ما الدافع وراء هذه الخطوة؟
وفي هذا السياق، لا بدّ من الانتباه إلى أنّ مصر تفتقر إلى القدرة على تدريب هذا العدد الكبير من الأفراد، غير أنّ المهم في الأمر أنّ الخطة المعلَنة تشير إلى أنّ جميع هؤلاء العناصر سيكونون من الفلسطينيين. وهذا يكشف إدراك القاهرة بأنّه لا يمكن لأيّ قوّةٍ أجنبية أن تتمركز في غزّة لتتولّى مهمّة حفظ الأمن فيها. غير أنّ مدى نجاح الخطة الأمنية المصرية في تحقيق نتائج إيجابية ما يزال غامضاً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أنّ المناخ الاجتماعي والرأي العام المصريين معاديان لإسرائيل، وهو ما يفرض على الحكومة المصرية أن تراعي الخطوط الحمراء في مواقفها إزاء قضيّة غزّة وفلسطين، وأن تحافظ على مسافةٍ بينها وبين إسرائيل.
وهذا ما دفع الحكومة المصرية إلى محاولة إظهار دورٍ إيجابي من خلال طرح مثل هذه المبادرات، وذلك حفاظاً على صورتها كمدافعٍ عن فلسطين وكمُدينٍ لممارسات إسرائيل، بما يمنحها رصيداً إيجابياً في سجلّها السياسي. ومن خلال هذه الخطة، تسعى القاهرة إلى رسم سيناريو متعدّد الأبعاد يمكّنها من إيجاد قوّة فاعلة خارج إطار السلطة الفلسطينية. ومع كلّ هذا الغموض، فإنّ إسرائيل، كما في السابق، تحاول ألّا تستفزّ المصريين أو الأردنيين في ملفّ غزّة وفلسطين، لأنّها تدرك أنّ الرأي العام في مصر والأردن يختلف عن باقي دول المنطقة، وأنّ تجاهله يشكّل خطراً عليها، لذا تحرص على مراعاة هذه الخطوط الحمراء.
ومن أبرز النقاط الغامضة في الخطة المصرية المطروحة، مسألة التوجّه الفكري والانتماء السياسي للعناصر الذين أعلنت القاهرة عن تجنيدهم لتلقّي هذه الدورات التدريبية. فلا يُعرف إن كانوا قد جُذِبوا من قطاع غزّة أو من الضفّة الغربية، كما أنّ هويّتهم الفكرية والتيّارات التي ينتمون إليها ما تزال مجهولة.