الإحتلال الإسرائيلي تسعى لفرض سيطرة كاملة على القدس بدعم أمريكي: تهويد المسجد الأقصى يهدد فرص السلام ويشعل فتيل المقاومة

في ظل تصاعد السياسات الإسرائيلية الرامية لفرض أمر واقع في القدس، تعمل تل أبيب، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، على تسريع مشاريع تهويد المدينة المقدسة، من خلال مخطط "ممر الحجاج" ومشاريع استيطانية تهدف إلى السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى وإخلاء الفلسطينيين من الضفة الغربية. هذه السياسات، بحسب المراقبين، تنذر بعواقب وخيمة على المستويين الداخلي والدولي، وقد تعيد إشعال المواجهات وتنسف أي أمل في حل الدولتين.
وأوضح جلال جراغي، الخبير في الشؤون السياسية الإقليمية في حديثه لـ"إيلنا" أن إسرائيل تسعى لتغيير الطابع الديموغرافي والديني للقدس، ضمن خطة أوسع بدأت تتضح ملامحها منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وضمّ الجولان المحتل إلى سيادتها.
وأضاف أن الضفة الغربية، التي يعيش فيها ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين فلسطيني، تُعد أكثر أهمية استراتيجية لإسرائيل من قطاع غزة، لا سيّما بسبب وجود المسجد الأقصى فيها. وأشار إلى أن عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر، جاءت كرد مباشر على السياسات التصعيدية للاحتلال في الضفة، وخاصة محاولات تنفيذ طقوس توراتية داخل المسجد الأقصى، من بينها ذبح أبقار حمراء كخطوة تمهيدية لبناء "هيكل سليمان" المزعوم.
وأكد جراغي أن الاحتلال الإسرائيلي يخطط لافتتاح مشروع "ممر الحجاج" في منتصف سبتمبر الجاري، في خطوة جديدة لفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، شبيهة بما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل. ولفت إلى أن سلطات الاحتلال فرضت بالفعل مواعيد يومية لاقتحامات المستوطنين للمسجد، ومنعت المسلمين من الدخول خلال تلك الأوقات.
وأضاف أن هذا التصعيد يتزامن مع توسّع غير مسبوق في الاستيطان، حتى في المناطق المصنفة "أ" و"ب" حسب اتفاق أوسلو، والتي يُفترض أن تكون خاضعة للسلطة الفلسطينية. واعتبر أن هذه الممارسات نسفت فعلياً حل الدولتين، بل وحتى المبادرة السعودية لعام 1981.
وأشار جراغي إلى أن هذه السياسات تحمل تداعيات خطيرة على مستويين:
أولًا، على المستوى الدولي، ستُجبر الدول العربية والإسلامية على اتخاذ مواقف إدانة، لكنها في الغالب ستبقى ضمن حدود البيانات، نتيجة الضغوط الأمريكية.
ثانيًا، على المستوى الداخلي، فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية لن يصمتوا، خاصة في ظل الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين ومحاولات التهجير القسري إلى خارج الأرض المحتلة.
وفي ختام حديثه، شدّد جراغي على أن استمرار هذه السياسات يعتمد بدرجة كبيرة على الموقف العربي والإسلامي. فإذا وُجد دعم فعّال للفلسطينيين، فقد تضطر إسرائيل إلى التراجع أو على الأقل تجميد بعض خطواتها، أما في حال استمرار الصمت، فإن السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى ستصبح مسألة وقت فقط، وهو ما قد يجعل من القدس شرارة لاشتعال مواجهة جديدة في المنطقة بأكملها.