العدوان على الدوحة رسالة ضغط من ترامب لدول الخليج الفارسي/ تحالف أمني ضد إسرائيل غير وارد في ظل الهيمنة العسكرية الأمريكية

وسط تصعيد غير مسبوق في منطقة الخليج الفارسي، اعتبر خبير إيراني أن العدوان الإسرائيلي على قطر جاء بضوء أخضر من إدارة ترامب، مؤكداً أن الرئيس الأمريكي يستخدم سياسة التهديد لابتزاز دول الخليج الفارسي مالياً، فيما يبدو أن تشكيل أي تحالف أمني عربي أو إسلامي ضد إسرائيل مستبعد، طالما بقيت المنطقة خاضعة للهيمنة العسكرية للولايات المتحدة.
صرّح عبد الرضا فرجي راد، أستاذ الجيوسياسية والسفير الإيراني الأسبق في النرويج، أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على مقر وفد حماس في الدوحة أثار صدمة كبيرة في الأوساط العربية، مؤكدًا أن هذا التصعيد تم بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب، الذي لا يُنظر إليه في العالم العربي كحليف موثوق.
وقال فرجي راد في مقابلة خاصة مع "إيلنا"، إنّ "العدوان على قطر — رغم ادّعاء إسرائيل بأن الهدف كان قيادات حماس فقط — قوبل برد فعل غاضب في العالم العربي، خاصة وأن تل أبيب واصلت تهديداتها لقطر، بل وصرّحت بأنها ستستهدف قادة حماس حتى إن لجؤوا إلى تركيا أو السعودية. هذا يشير إلى تصعيد خطير يجري تحت غطاء أمريكي صريح أو ضمني".
وأضاف: "لا يمكن للطائرات الحربية الإسرائيلية أن تدخل أجواء الخليج الفارسي وتنفذ هجوماً بهذا الحجم دون تنسيق مع الولايات المتحدة. إدارة ترامب الحالية، رغم بعض التصريحات المقلقة من وزارة الخارجية، لم تتخذ أي موقف رادع، بل أكدت أن هذا الحادث لن يؤثر على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وبالتالي، الهجوم تم بموافقة أمريكية واضحة".
وتابع: "ترامب، في فترته الرئاسية الحالية، يبدو أنه يسعى إلى صناعة نصر أمني في غزة، ربما لتحويل أنظار الداخل الأمريكي عن ملفات أخرى. ويبدو أنه يعتقد أن تصفية قادة حماس ستُضعف الحركة ولن تتيح لها إنتاج قيادة جديدة قادرة على الاستمرار".
أهداف اقتصادية وراء الضغط
وحول الخلفيات الاقتصادية المحتملة للهجوم، أوضح فرجي راد أن "ترامب استغل زيارته إلى المنطقة قبل نحو 3 أو 4 أشهر لإعلان حصوله على وعود استثمارية بقيمة 3 آلاف مليار دولار من السعودية، قطر والإمارات، بل وتفاخر بهدية طائرة بقيمة 400 مليون دولار من قطر. لكن بعد ذلك لم تُنفّذ هذه الوعود، وهو ما دفع ترامب للضغط على هذه الدول بطريقة غير مباشرة، وقد يكون الهجوم على الدوحة رسالة تحذيرية لتنفيذ الالتزامات المالية".
وأشار إلى أن "أسلوب ترامب في التعامل مع الدول العربية لا يختلف كثيراً عن تعامله مع دول أخرى كإيران أو الهند؛ يعتمد على التهديد والضغط لانتزاع الامتيازات. لكن التجارب السابقة تُظهر أن هذا الأسلوب غالباً ما ينتهي بالفشل".
الأمن الجماعي... خيار غير واقعي
وفيما يتعلق بإمكانية تشكيل آلية أمن جماعي عربي أو إسلامي ضد إسرائيل، استبعد فرجي راد هذا الاحتمال قائلاً: "رغم صدمة العالم العربي من العدوان، إلا أنه من غير المتوقع أن تتبلور مبادرة حقيقية للدفاع الجماعي. مثل هذه الخطوة تتطلب تنسيقاً عميقاً، والدول العربية ليست على مستوى واحد من التوافق في الرؤية السياسية".
وأضاف: "ربما تُقدم دول مثل إيران أو تركيا على طرح مبادرة بهذا الاتجاه، لكن دولاً كمصر تفضل التحدث عن أمن جماعي عربي فقط، وليس ضمن إطار إسلامي شامل. كما أن أي آلية أمنية إقليمية حقيقية تتطلب تخفيض الاعتماد على الولايات المتحدة، وهو أمر لا ترغب به الكثير من الدول الخليجية التي تعتمد على الوجود العسكري الأمريكي".
نحو توازن جديد في السياسة الخارجية
وأكّد فرجي راد في ختام حديثه أن "الدول العربية بدأت تدرك تدريجياً أنه لا يمكنها الاعتماد لا على الديمقراطيين ولا على الجمهوريين في الولايات المتحدة. فحتى خلال رئاستي أوباما وبايدن، عانت هذه الدول من مواقف واشنطن. أما ترامب، فقد أظهر خلال ولايته الحالية بشكل أوضح أنه لا يمانع في التضحية بمصالح حلفائه العرب من أجل إسرائيل، بل ويغض النظر عن تهديداتها العلنية لدول مثل تركيا والسعودية".
وختم بالقول: "المرحلة القادمة قد تشهد محاولة من الدول العربية لإعادة التوازن في علاقاتها الدولية، وربما تتجه لتعزيز علاقاتها مع الصين وقوى أخرى. لكنها لن تقدم على خطوات سريعة قد تثير غضب واشنطن، بل ستسعى لتوازن محسوب بين القوى الكبرى".