اختلافات أوروبية-أمريكية حول ضمانات الأمن لأوكرانيا تعرقل مسار الحل السياسي

في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، تواجه القمة الأخيرة بين قادة الولايات المتحدة وأوكرانيا بحضور كبار المسؤولين الأوروبيين تحديات كبيرة تتمثل في انقسامات عميقة بين أوروبا وأمريكا حول كيفية تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، وسط رفض روسي قاطع لانضمام كييف إلى الناتو، وتساؤلات حادة حول مستقبل الأراضي الأوكرانية ومصير التفاوض على وقف إطلاق النار.
صرّح الخبير في الشؤون الأوروبية، مرتضى مكي، في مقابلة مع وكالة "إيلنا" أن اجتماع رؤساء الدول الأوروبيين والأمين العام لحلف الناتو في واشنطن، جاء بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وشكل لقاءً نادرًا جمع ترامب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمرة الثانية، مع حضور القادة الأوروبيين لمنع اللقاءات الثنائية المباشرة وتقليل التوترات السياسية.
وأضاف مكي أن هذه القمة كشفت مجددًا عن الانقسام العميق بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن مواجهة روسيا بعد اجتياحها لأوكرانيا، حيث تسعى كل جهة إلى إيجاد حلول خاصة بها. ففي حين حاولت الدول الأوروبية إظهار تضامن قوي مع أوكرانيا، رفضت تقديم تنازلات تُشرعن الاحتلال الروسي.
وأشار مكي إلى أن ترامب أدرك خلال الأشهر الماضية أن إنهاء الحرب لن يكون ممكنًا دون موافقة أوكرانيا والدول الأوروبية، رغم المفاوضات المتعددة مع موسكو ومحاولات تقديم تنازلات كبيرة لروسيا لإقناعها بوقف إطلاق النار، إلا أن بوتين رفض التراجع عن مطالبه، مما عمّق الخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة وأكد أن الأزمة لن تُحل عبر لقاءات ثنائية فقط.
وتناول الخبير قضية الضمانات الأمنية، حيث أشار إلى أن بوتين يرفض بشدة انضمام أوكرانيا إلى الناتو ويعتبرها شرطًا مسبقًا لأي مفاوضات، في حين يؤكد ترامب أن أوكرانيا لا مكان لها في الحلف. بالمقابل، طرحت أوروبا فكرة تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا خارج إطار الناتو، تشبه المادة الخامسة في معاهدة شمال الأطلسي، بحيث تتعهد الدول الأوروبية والولايات المتحدة بحمايتها. رغم قبول بوتين الظاهري، إلا أن تفاصيل هذه الضمانات لا تزال غامضة، ويواجه القادة الأوروبيون انقسامات داخلية حول مدى التزامهم الأمني تجاه أوكرانيا، حيث أبدى رئيس الوزراء البريطاني استعدادًا لتقديم مثل هذه الضمانات ضمن اجتماع "أصدقاء أوكرانيا".
أما النقطة الشائكة الأخرى، فهي موضوع الأراضي الأوكرانية، إذ ترفض كييف بشدة التنازل عن أراضٍ خاصة في الشرق، على الرغم من وجود اقتراحات ضمنية من بعض المسؤولين الأوروبيين لقبول تقسيمات أو تنازلات، إلا أن غياب إجماع واضح يعيق التوصل إلى اتفاق.
وأكد مكي أن وقف إطلاق النار يبقى محورًا رئيسيًا، حيث يصر الأوروبيون على أن أي لقاء قادم بين ترامب وبوتين وزيلينسكي يجب أن يتم فقط بعد إعلان روسيا وقف الحرب، معتبرين أن المفاوضات يجب أن تبدأ من أساس توقف القتال. لكن تجارب اتفاقيات سابقة مثل "مينسك" أثبتت هشاشة تلك الهدن، ما يقلل من فرص التوصل إلى سلام دائم قريبًا.
وختم الخبير بالإشارة إلى كلمات المستشارة الألمانية التي أكدت شعور أوروبا المتزايد بالوحدة والاضطرار إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي الأمني، وهو ما قد يفسر تباعدًا نسبياً بينها وبين الولايات المتحدة، رغم أن أوروبا لا تستطيع حل الأزمة دون واشنطن.
في المجمل، تواجه الأزمة أوكرانيا مسارين محتملين: إما قبول أوروبا ببعض مطالب روسيا مقابل سلام هش، أو التمسك بوحدة أراضي أوكرانيا مع استمرار الصراع والتكاليف المرتفعة، بينما روسيا تدرك أن أي اتفاقية تهدئة سترتبط بقبول تنازلات اقتصادية وتخفيف العقوبات، ولن ترضى باتفاق إلا بتحقيق مكاسب واضحة.