سوريا في دوامة التوترات الطائفية.. تصاعد العنف وتراخي المحاسبة

نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريراً مطولاً عن تزايد التوترات الطائفية في سوريا، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية الدرزية، مشيرة إلى موجة عنف جديدة تهدد بإعادة البلاد إلى مشهد الفوضى الدموية.
في منطقة أشرفية صحنايا جنوب دمشق، والتي تبعد نحو 15 كيلومتراً عن العاصمة، بدت آثار الرصاص واضحة على بعض الواجهات، بينما التهمت النيران عدداً من السيارات، في أعقاب اشتباكات عنيفة شهدتها المدينة في 29 نيسان/أبريل. ونقلت الصحيفة عن شاب يُدعى فادي، وهو طالب درزي في السنة الثانية من بكالوريوس علوم الحاسوب، قوله: "الميليشيات كانت تطلق النار بشكل عشوائي، واستخدمت قذائف الهاون. طُلب منا البقاء في المنازل".
وذكرت الصحيفة أن المواجهات توقفت مؤقتاً بعد اتفاق بين السلطات وبعض وجهاء المنطقة، ينصّ على نزع سلاح الفصائل الدرزية. غير أن العنف امتدّ ليطال مناطق درزية أخرى مثل جرمانا في ريف دمشق، ومحافظة السويداء جنوب البلاد.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد ضحايا هذه المواجهات 102 قتيلاً. وأوضحت لوفيغارو أن هذه الأحداث تأتي في سياق تصاعد التوترات الطائفية منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، إثر سيطرة فصائل تابعة لهيئة تحرير الشام على مفاصل الحكم، حيث باتت الانتهاكات التي تمارسها الجماعات المتطرفة ضد أبناء الطائفة العلوية شبه يومية.
وفي آذار/مارس الماضي، شنّ عناصر من النظام السابق هجوماً واسعاً ضد القوات الحكومية، ما أسفر عن موجة مجازر راح ضحيتها 1334 شخصاً، وفقاً لتقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
فادي، الذي اضطر إلى النزوح مع والدته وشقيقه إلى مدينة جديدة، تحدث عن مقاطع فيديو تصل إلى هاتفه تُظهر مشاهد مروعة. في أحدها، يظهر رجل ملثم يضرب شخصاً على عنقه ويجبره على تقليد صوت الخروف بطريقة مهينة. وتُضيف الصحيفة أن هذه المقاطع تعيد إلى الأذهان مجازر آذار، حيث أُهين عدد من العلويين ونُعتوا بـ"الخنازير".
وفي مدينة حمص، يتواصل العنف بصمت. حيث وثقت منظمة "مجموعة السلام المدني" 72 حالة اختطاف لنساء منذ كانون الثاني/يناير، في حمص والساحل. كما بيّنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أكثر من ربع جرائم القتل المسجلة في نيسان/أبريل وقعت في حمص وحدها.
ونقلت الصحيفة عن سيدة تُدعى ناديا قولها: "يفعلون هنا ما فعلوه في الساحل خلال المجازر، لكن هذه المرة بالتدريج كي لا يلفتوا أنظار المجتمع الدولي".
وترى لوفيغارو أن دوافع هذه الجرائم ليست طائفية فحسب، بل هناك أيضاً أبعاد اقتصادية وعقارية. حيث قال مواطن يُدعى ضمار: "الكثير من البيوت استولى عليها الشبيحة خلال الحرب وباعوها أكثر من مرة. واليوم، تحاول الجماعات المتطرفة استردادها بالقوة. غياب العدالة الانتقالية يدفع الناس إلى أخذ الحق بأيديهم".
وكان الرئيس أحمد الشرع قد وقّع في 13 آذار/مارس 2025 على "الإعلان الدستوري" الذي نصّ على تشكيل لجنة للعدالة الانتقالية، إلا أن اللجنة لم تبدأ عملها حتى الآن، وهو ما تعتبره الصحيفة أحد عوامل تأجيج العنف.
وفي السياق نفسه، قال مواطن يُدعى كريم: "نعم، نحن أمام جريمة طائفية. بشار الأسد كان علوياً، صحيح، لكن معظم قادة النظام السابق كانوا من السنة. العلويون سلّموا سلاحهم بعد سقوط النظام، بعد أن وُعدوا بالسلام والاندماج في الدولة الجديدة، لكنهم الآن يتعرضون للغدر".
وأفادت منظمة "مجموعة السلام المدني" بأن السلطات الأمنية أرسلت تعزيزات إلى مدينة حمص، خصوصاً إلى الأحياء العلوية شرق المدينة، في محاولة لاحتواء الوضع، وهو ما أكد عليه المواطن ضمار، قائلاً: "أدركت الأجهزة الأمنية أن فقدان السيطرة على هذه الأحياء سيكون كارثياً، لذلك عاد الهدوء تدريجياً إليها".
ورغم إعلان السلطات الجديدة عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة بمجازر آذار/مارس، إلا أن عائلات الضحايا ترى أن ذلك غير كافٍ. عائلة منصور، على سبيل المثال، قالت للصحيفة: "قالوا إنهم فتحوا تحقيقاً، لكننا لم نتلقَ أي معلومات منذ ذلك الوقت. رجال الأمن يشاهدون الجرائم تُرتكب، دون أن يحرّكوا ساكناً".
وتنقل لوفيغارو عن مصادر دبلوماسية غربية في دمشق أن "السلطة الجديدة تخشى فقدان السيطرة على بعض المناطق، وتواجه ضغطاً متزايداً من قواعدها المتطرفة، ما يدفعها لاعتماد نهج أمني بحت". وتشير هذه المصادر إلى أن إسرائيل نفّذت خلال الأسبوع الماضي عدة غارات داخل الأراضي السورية "لدعم الطائفة الدرزية"، بحسب الصحيفة.