رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني: أبواب الدبلوماسية لا تزال مفتوحة

رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني: أبواب الدبلوماسية لا تزال مفتوحة
معرف الأخبار : 1722884

أكد رئيس البرلمان الإيراني أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تضع أبداً — تحت أي ظرف — أمنها القومي، قدراتها الدفاعية، وحقّها المشروع في التقدم تحت طائلة المساومة. وأضاف: «لقد أعلنا مراراً أن أبواب الدبلوماسية لا تزال مفتوحة».

وخاطب محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، خلال اجتماع اللجنة الدائمة للشؤون السياسية التابعة جمعية برلمانات آسيا (APA) التي استضافتها إيران صباح اليوم في مشهد المقدّسة، وأكد في كلمته على ضرورة دولنة الأمانة العامة وتعزيز عملها، حتى تتمكن من إيصال «صوت آسيا الموحد» إلى المحافل الدولية.

وقال في كلمته: «إنه لمن دواعي الفخر والسرور أن نستضيفكم اليوم في مشهد المقدّسة — العاصمة الروحية لإيران — المدينة التي تمثّل حقيقة التضامن والسلام. إن حضوركم الكريم يعكس إرادتنا المشتركة لتعزيز التعاون البرلماني في قارة تكتسي بتاريخ وثقافة ومستقبل موحّد. أتقدّم بالشكر الصادق لكل من استجاب لدعوة إيران، وللأمانة العامة الموقّرة على تعاونها في انعقاد هذا الاجتماع».

وأضاف: «أيها السيدات والسادة، تجد آسيا اليوم نفسها في موقع تاريخي؛ والعالم يمر بتحولات سياسية واقتصادية وتكنولوجية وثقافية عميقة. آسيا ليست مجرد منطقة جغرافية، بل كيان له جذور تاريخية وثقافية واقتصادية وسياسية عميقة بين شعوبها. لديها إمكانيات هائلة، ومع وعي عالمي وإقليمي بالظروف الدقيقة في العالم، ومع التعاون وإرادة جماعية قائمة على المصالح المشتركة، يمكن أن تقدّم آسيا نموذجاً جديداً للتعاون الإقليمي، وأن تصبح محوراً للنمو الاقتصادي والابتكار، ومحركاً للتغييرات العالمية ومستقبل الإنسانية».

تابع قاليباف: «أهمية آسيا لا تكمن فقط في عدد سكانها أو اتساع أراضيها، بل في استقلالها الفكري، تنوعها الثقافي، وإرادة دولها المشتركة نحو تعددية الأطراف».

وتابع: «إزاء هذه الإمكانيات الهائلة، تكتب آسيا فصلاً جديداً من تاريخها، فصلاً لا يفرض فيه بلد على آخر، بل يُفتح فيه باب الحوار؛ فصلاً تُحترم فيه حق شعوبها في تقرير مصيرها؛ فصلاً تُقدّر فيه التعاون بدل المواجهة، والعدالة بدل الإكراه».

وقال إن آسيا تقف اليوم أمام عالم يعاني من تحديات خطيرة وغير مسبوقة تهدد أمنها وسلامتها وتنميتها؛ من بينها:

الأحادية في القرار، ومحاولات قوى محدودة لفرض إرادتها على غالبية الشعوب الحرة.

العقوبات الأحادية وغير القانونية التي تنتهك حقوق الشعوب وتصبح أداة ضغط سياسي.

الحروب والغزو والإبادات الجماعية — وخصوصاً «لا سيما جرائم الكيان الصهيوني» ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المستمرة بلا انقطاع.

الأزمات الإنسانية الناتجة عن الحروب، وتشريد ملايين البشر، وخلق مجاعات عمدية.

انتشار ظواهر بغيضة مثل العنصرية، الإسلاموفوبيا، والإيرانو-فوبيا في بعض الدول الغربية.

التغيرات المناخية التي، من دون مسؤولية مشتركة من القوى الكبرى، تهدّد مستقبلنا جميعاً.

التدخل الواضح أو الخفي في شؤون الدول المستقلة.

والأهم: تراجع الثقة العالمية في المؤسسات الدولية التي أنشئت يوماً للحفاظ على السلام والعدالة.

وأضاف أن هذه التحديات «ليست محصورة في نطاق محلي أو إقليمي، بل هي تهديد مشترك للبشرية ولشعوب آسيا على حد سواء».

وأوضح أن الواقع المرير أن النظام الدولي الحالي، وبالأخص المؤسسات التي انتُخبت بعد الحرب العالمية الثانية لحماية السلام، «لم تفِ في الغالب بواجباتها، بل أصبحت في خدمة قوى منفردة». وشدد أن شعوب آسيا كانت أكثر من غيرها ضحية لهذه المعايير المزدوجة.

ثم نبه إلى أن «تهديدات جديدة» بدأت بالظهور إلى جانب تلك التحديات المزمنة، مثل:

الهيمنة الرقمية ومحاولات السيطرة على بنى تحتية تقنية وبيانات الدول.

الحروب «الهجينة» وعمليات الحرب النفسية والمعرفية ضد الدول والشعوب المستقلة.

استخدام ذريعة الحقوق البيئية أو حقوق الإنسان للتدخل في شؤون الدول الداخلية.

وأضاف أن هذا الواقع والتحديات الماثلة أمام آسيا «تضع علينا مسؤولية تاريخية جسيمة».

لقد شهدت العقود الأخيرة تعرّض الشعب الإيراني لواحد من أشدّ المسارات العدائية المنظّمة في التاريخ المعاصر؛ تمثّل في العقوبات اللاإنسانية، ومحاولات عرقلة التقدم العلمي والنووي السلمي، وصولاً إلى الهجوم المباشر والجبان الذي شنّه الكيان الصهيوني في يونيو/حزيران 2025 على المنشآت النووية والمراكز المدنية في إيران، بدعم وتدخّل واضح من الولايات المتحدة. وقد وقع هذا الاعتداء في خضمّ المفاوضات الدبلوماسية، بينما لجأت بعض الحكومات الأوروبية — بدلاً من إدانة المعتدي — إلى الاصطفاف إلى جانب المحتل، في حين أيّد 120 بلداً حول العالم موقف إيران ورفضوا هذا العدوان. لقد أثبت هذا السلوك الغربي بوضوح أن التفاوض بالنسبة إليهم ليس أداة للحوار وحلّ الخلافات، بل وسيلة للمراوغة وشراء الوقت والضغط.

وأؤكد هنا — بكل صراحة — أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تضع أبداً، وتحت أي ظرف، أمنها القومي وقدراتها الدفاعية وحقّها المشروع في التقدم على طاولة المساومة. لقد قلنا مراراً إن أبواب الدبلوماسية مفتوحة، غير أن الدبلوماسية الحقيقية لا يكون لها معنى إلا حين تُبنى على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لا على التهديد والإكراه.

اسمحوا لي أن أنتقل إلى أحد أكثر فصول المأساة المعاصرة إيلاماً: جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وغزة.

فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكب هذا الكيان عمليات قتل ممنهجة راح ضحيتها نحو 70 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، في جريمة ترقى إلى «الإبادة الجماعية المنظمة». وهو الكيان نفسه الذي هاجم قبل أشهر منشآت إيران النووية السلمية، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ألف من مواطنينا. ولم تتوقف عمليات هذا الكيان عند حدود إيران، بل طالت لبنان وقطر وسوريا، مهدّدةً الأمن الإقليمي برمّته.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية — بوصفها داعماً ثابتاً لحقوق الشعب الفلسطيني — ترحّب بكل مبادرة من شأنها إنهاء الاحتلال وتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، لكنها ترفض محاولات فرض «سلام» غير عادل. فأي اتفاق لا يضمن العدالة للفلسطينيين لن يكون سوى استمرار للاحتلال بوجهٍ خادع، وترسيخاً لنظام الفصل العنصري الصهيوني على كامل أرض فلسطين التاريخية، وبالتالي سيكون فاقداً للمشروعية السياسية والقانونية والأخلاقية ومآله الفشل، كما حدث مع الاتفاقات المفروضة سابقاً مثل كامب ديفيد وأوسلو التي وصلت إلى طريق مسدود لأنها تجاهلت إرادة الشعب الفلسطيني.

إن حقّ تقرير المصير حقّ إلهي وإنساني لا يجوز لأحد التفاوض حوله. فلا يحق لأي دولة أو قوة خارجية أن تقرّر نيابة عن الفلسطينيين مصير أرضهم ومقدساتهم ومستقبلهم. وقضية فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل معيار للعدالة والإنسانية وضمير العالم، واختبار حقيقي لمستقبل النظام الدولي. وتتمثّل المبادرة المسجّلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في إجراء استفتاء يشارك فيه السكان الأصليون لفلسطين — من المسلمين والمسيحيين واليهود — كحلّ منطقي لمستقبل البلاد ونموذج واضح لإرساء نظام إقليمي مستدام.

الزملاء الأعزاء،

إن مشهد، مدينة الإمام الرضا (عليه السلام)، تحمل رسالة الرحمة والعدالة. ومن هذه المدينة المقدسة نوجّه خطاباً واضحاً إلى القوى المهيمنة: إن زمن سيطرة دولة أو دولتين على العالم قد ولّى، وآسيا انتقلت من موقع الضحية إلى موقع الفاعل المؤثر في الساحة الدولية. لقد بدأ عصر آسيا — عصر التعاون والعدالة والاحترام المتبادل.

نحن هنا كي نكون صوت قارة يقِظة، ونؤكد أننا نطمح إلى عالم لا تكون فيه العقوبات أداة للسياسة الخارجية، ولا يُقابَل فيه قتل الأطفال والنساء في غزة بالصمت أو التبرير، ولا يُنتزع فيه حقّ إيران وسائر الشعوب في التقدّم النووي والاقتصادي السلمي.

فنحن في إيران نعتقد أن سلام المنطقة ومستقبل العالم لن يُحسم في واشنطن أو تل أبيب أو بعض العواصم الأوروبية، بل يُرسم هنا، في آسيا، بين شعوب هذه القارة الحضارية الكبرى.

وانطلاقاً من هذه الرؤية، وكما ينصّ النظام الأساسي للجمعية البرلمانية الآسيوية (APA)، فنحن ممثلو أمم ترتبط بروابط تاريخية وحضارية وثقافية عميقة. وهذه الروابط ليست مجرد إرث نفيس، بل التزام استراتيجي أيضاً؛ التزام بلعب دور أكثر فعالية وتأثيراً في تحقيق الاستقرار والسلام المستدام والرفاه المشترك لآسيا.

إن جمعية البرلمانات الآسيوية لا يمكن أن تبقى مؤسسة هامشية. فرغم الجهود القيّمة، ما زال أداؤها دون مستوى التطلعات والإمكانات الحقيقية لأعضائها. ومن هنا، فإن تدويل الأمانة العامة وتعزيز بنيتها يشكّل ضرورة لا غنى عنها، كي تتمكن من إيصال صوت آسيا الموحد إلى المحافل الدولية، وتنسيق المبادرات المشتركة، والاستجابة لمسؤولياتنا الكبيرة وهويتنا الواحدة في هذا الظرف الحساس.

والجمهورية الإسلامية الإيرانية — التي كانت على مدى 18 عاماً من أبرز الداعمين لمسيرة APA — مستعدة اليوم أيضاً لتقديم تعاون كامل وشامل في مسار تدويل الأمانة العامة، وتعزيز هيكلها وميزانيتها ومواردها، ورفع مكانتها القانونية والسياسية.

ونأمل أن ينضمّ بقية الأعضاء إلى هذا المسار المسؤول، فمستقبل APA هو مستقبلنا جميعاً، ومصير آسيا هو مصير العالم.

إن دعم التعددية الحقيقية والعادلة يجب أن يكون في صلب عمل حكومات وبرلمانات آسيا. ويمكن لجمعية البرلمانات الآسيوية أن تكون الركيزة الأساسية لتحقيق هذا الهدف، وتعزيز صوت آسيا الموحد، وقيادة عمل مشترك لبناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة وأمناً لأجيال الحاضر والمستقبل.

الضيوف الكرام،

أجدد شكري لحضوركم الكريم في مشهد المقدسة، وأتمنى النجاح لاجتماع اللجنة السياسية لجمعية البرلمانات الآسيوية اليوم. وأنا على يقين بأن مستقبل آسيا مشرق، وأن آسيا الواعية والنهضوية ستكون القوة المحركة لنظام عالمي أكثر عدلاً.

 

endNewsMessage1
تعليقات